استحضرت اللجنة المكلفة بإعداد الوثيقة المحددة للاختيارات والتوجهات
التربوية في مجال مراجعة المناهج التربوية وبرامج تكوين الأطر جملة من المقدمات
الكبرى التي وجهت عملها، وعينت الخلفية المرجعية الناظمة لكيفيات إنشائها وبنائها
للمعطيات المتضمنة في هذه الوثيقة. ومن أبرز هذه المقدمات نشير بإيجاز إلى ما يلي: (1) تثمين أعضاء اللجنة للجهود الإصلاحية السابقة في هذا المجال،
حيث يشكل
مشروع الإصلاحات المرتقبة في البرامج والمناهج التربوية لبنة جديدة تضاف إلى مسلسل إصلاح وتطوير المجال التربوي في بلادنا؛ (2) الانطلاق من كون عمليات الإصلاح المنتظرة في مجال المناهج التربوية تكون أكثر فاعلية وأكثر نجاعة، عندما تعبر عن مقومات الذات التاريخية
والحضارية الإسلامية، بمختلف ثوابتها ومتغيراتها، وتستوعب في الآن نفسه وبصورة
تركيبية مبدعة مكاسب الحضارة المعاصرة؛ (3) الإيمان بمبدأ التغيير البيداغوجي المتدرج باعتباره الوسيلة الأنسب للتغلب على مختلف القضايا التربوية السائدة في
نظامنا التربوي؛ (4) الاستجابة لمتطلبات المجتمع المعبر
عنها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، حيث شكلت النواظم الفكرية البيداغوجية والاختيارات التربوية دور الموجه المساعد
على رسم الخطوط العريضة لمحاور ومعطيات هذه الوثيقة؛ (5)بناء تصورات وتوجهات عامة
محددة لاختيار بيداغوجي، يرى ضرورة إصلاح مختلف أشكال الخلل الحاصلة في مستوى
المناهج التربوية بوسائل وأساليب قريبة من ممكنات الفعل البيداغوجي المجدد والمتجدد، وذلك
انطلاقا من رصيد التجربة التربوية المغربية منذ الاستقلال إلى اليوم.
وقد ترتب عن المبادئ والمقدمات آنفة الذكر الاختيارات والتوجهات الكبرى الواردة في هذه الوثيقة.
الاختيـارات والتوجهات التربويـة العامة
اعتبارا للفلسفة
التربوية المتضمنة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فإن الاختيارات التربوية
الموجهة لمراجعة مناهج التربية والتكوين المغربية، تنطلق من:
§ § العلاقة التفاعلية بين المدرسة والمجتمـع، باعتبار المدرسة محركا
أساسيا للتقدم الاجتماعي وعاملا من عوامل الإنماء البشري المندمج؛
§
§ وضـوح الأهداف والمرامي البعيدة من مراجعة
مناهج التربية والتكوين، والتي تتجلى أساسا في
- المساهمة في تكوين شخصية مستقلة ومتوازنة ومتفتحة للمتعلم المغربي، تقوم على
معرفة ذاته، ولغته وتاريخ وطنه وتطورات مجتمعه؛
- إعداد المتعلم المغربي لتمثل واستيعاب
إنتاجات الفكر الإنساني في مختلف تمظهراته ومستوياته، ولفهـم تحولات الحضارات الإنسانية وتطورهـا؛
- إعداد المتعلم المغربي للمساهمة في تحقيق
نهضة وطنية اقتصادية وعلمية وتقنية تستجيب لحاجات المجتمع المغربي وتطلعاته.
§ § استحضار أهم خلاصات البحث التربوي الحديث في مراجعة مناهج التربية والتكوين باعتماد
مقاربة شمولية ومتكاملة تراعي التوازن بين البعد الاجتماعي الوجداني، والبعد
المهاراتي، والبعد المعرفي، وبين البعد التجريبي والتجريدي كما تراعي العلاقة
البيداغوجية التفاعلية وتيسير التنشيط الجماعي؛
§ § اعتماد مبدأ التوازن
في التربية والتكوين بين مختلف أنواع المعارف، ومختلف أساليب التعبير ( فكري، فني،
جسدي)، وبين مختلف جوانب التكوين ( نظري، تطبيقي عملي)؛
§ § اعتماد مبدأ التنسيق
والتكامل في اختيار مضامين المناهج التربوية، لتجاوز سلبيات التراكم
الكمي للمعارف ومواد التدريس؛
§ § اعتماد مبدأ التجديد
المستمر والملاءمة الدائمة لمناهج التربية والتكوين وفقا لمتطلبات التطور
المعرفي والمجتمعي؛
§ § ضرورة مواكبة التكوين الأساسي والمستمر لكافة أطر
التربية والتكوين لمتطلبات المراجعة المستمرة للمناهج التربوية؛
§ § اعتبار المدرسة مجالا حقيقيا لترسيخ القيم الأخلاقية وقيم المواطنـة وحقوق الإنسان وممارسة الحياة الديموقراطية.
ولتفعيل هذه
الاختيارات، فقد تم اعتماد مجالي القيم والكفايات
كمدخل بيداغوجي لمراجعة مناهج التربية والتكوين.
اختيارات وتوجهات في مجال القيـم
إنطلاقا من القيم التي تم إعلانهـا كمرتكزات
ثابتة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والمتمثلة فـي:
- قيـم العقيدة
الإسلامية السمحة؛
- قيـم الهوية الحضارية
ومبادئها الأخلاقية والثقافية؛
- قيـم المواطنـة؛
- قيـم حقوق الإنسان
ومبادئها الكونيـة.
وانسجاما مع هذه القيم، يخضع نظام التربية والتكوين
للحاجات المتجددة للمجتمع المغربي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من
جهة، وللحاجات الشخصية للمتعلمين من جهة أخرى.
ويتوخى
من أجل ذلك الغايات التالية:
§
§ ترسيخ الهوية المغربية الإسلامية والحضارية والوعي
بتنوع وتفاعل وتكامل روافدها؛
§
§ التفتح على مكاسب
ومنجزات الحضارة الإنسانية
المعاصرة؛
§
§ تكريس حب الوطن وتعزيز
الرغبة في خدمته؛
§
§ تكريس حب المعرفة وطلب
العلم والبحث والاكتشاف؛
§
§ المساهمة في تطوير
العلوم والتكنولوجيا الجديدة؛
§
§ تنمية الوعي
بالواجبـات والحقوق؛
§
§ التربية على المواطنة
وممارسة الديموقراطية؛
§
§ التشبع بروح الحوار
والتسامح وقبول الاختلاف؛
§
§ ترسيخ قيم المعاصرة
والحداثة؛
§
§ التمكن من التواصل
بمختلف أشكاله وأساليبه؛
§
§ التفتح على التكوين المهني المستمر؛
§
§ تنمية الذوق الجمالي والإنتاج الفني والتكوين الحرفي في مجالات الفنون والتقنيات؛
§
§ تنميـة القدرة على
المشاركة الإيجابية في الشأن المحلي والوطني؛
يعمل
نظام التربية والتكوين بمختلف الآليات والوسائل للاستجابة للحاجات الشخصية
للمتعلمين المتمثلة فيما يلي:
§
§
الثقة بالنفس والتفتح على الغير؛
§
§
الاستقلالية في التفكير والممارسة؛
§
§
التفاعل الإيجابي مع المحيط الاجتماعي على اختلاف مستوياته؛
§
§
التحلي بروح المسؤولية والانضباط؛
§
§
ممارسة المواطنة والديموقراطية؛
§
§
إعمال العقل واعتماد الفكر النقدي؛
§
§
الإنتاجية والمردودية؛
§
§
تثمين العمل والاجتهاد والمثابرة؛
§
§
المبادرة والابتكار والإبداع؛
§
§
التنافسية الإيجابية؛
§
§
الوعي بالزمن والوقت كقيمة أساسية في المدرسة وفي الحياة؛
§ §
احترام البيئة الطبيعية والتعامل الإيجابي مع الثقافة الشعبية والموروث الثقافي والحضاري المغربي.
اختيارات وتوجهات في مجال الكفايات
يعتبر مدخل الكفايات،
في مراجعة مناهج التربية والتكوين، اختيارا ملائما يناسب التوجهات العامة التي
حددها الميثاق الوطني للتربية والتكوين.
ولتيسير اكتسابها على
الوجه اللائق، يتعين مقاربتها من منظور شمولي لمكوناتها ومراعاة التدرج البيداغوجي
في برمجتها ووضع استراتيجيات اكتسابها؛
ومن الكفايات الممكن بناؤها في إطار تنفيذ
مناهج التربية والتكوين:
-
-
كفايات تنمية الذات، والتي تستهدف تنمية شخصية المتعلم كغاية في ذاته،
وكفاعل إيجابي تنتظر منه المساهمة الفاعلة في الارتقاء بمجتمعه في كل المجالات؛
-
-
الكفايات القابلة للاستثمار في التحول
الاجتماعي، والتي تجعل نظام التربية والتكوين يستجيب
لحاجات التنمية المجتمعية بكل أبعادها الروحية والفكرية والمادية؛
-
-
الكفايات القابلة للتصريف في القطاعات
الاقتصادية والاجتماعية،
والتي تجعل نظام التربية والتكوين يستجيب لحاجات الاندماج في القطاعات المنتجة
ولمتطلبات التنمية الاقتصادية والإجتماعية.
ويمكن أن يتمحور ذلك حول:
الكفايات الاستراتيجية؛ الكفايات التواصلية؛ الكفايات المنهجية؛ الكفايات الثقافية؛ الكفايات
التكنولوجية.
تستوجب معالجة الكفايات الاستراتيجية،
في مناهج التربية والتكوين، تنمية مجموعة من القدرات عند المتعلمين تتمثل في:
-
-
معرفة الذات والتعبير عنها؛
-
-
التموقع في الزمان والمكان؛
-
-
التموقع بالنسبة للآخر وبالنسبة للمؤسسات
المجتمعية (الأسرة، المؤسسة التعليمية، المجتمع)، والتكيف معها ومع البيئة بصفة
عامة؛
-
-
قدرات تتمثل في تعديل المنتظرات والاتجاهات
والسلوكات الفردية وفق ما يفرضه تطور المعرفة والعقليات والمجتمع.
وحتى تتم معالجة الكفايات التواصلية بشكل شمولي في مناهج التربية والتكوين، ينبغي أن
تؤدي إلى:
- إتقان اللغة العربية، وتخصيص الحيز المناسب للغة الأمازيغية، والتمكن من اللغات الأجنبية؛
- التمكن
من مختلف أنواع التواصل داخل المؤسسة التعليمية وخارجها في مختلف مجالات تعلم
المواد الدراسية؛
- التمكن من مختلف أنواع الخطاب (الأدبي، والعلمي، والفني...) المتداولة في
المؤسسة التعليمية وفي محيط المجتمع والبيئة.
وتستهدف الكفايات المنهجية من جانبها
بالنسبة للمتعلم اكتساب:
- منهجية
للتفكير وتطوير مدارجه العقلية؛
- منهجية
للعمل في الفصل وخارجه؛
- منهجية
لتنظيم ذاته وشؤونه ووقته وتدبير تكوينه الذاتي ومشاريعه الشخصية.
ولكي تكون معالجة الكفايات الثقافية،
شمولية في مناهج التربية والتكوين، ينبغي أن تشمل:
- شقهـا الرمزي المرتبط
بتنمية الرصيد الثقافي للمتعلم، وتوسيع دائرة إحساساته وتصوراته ورؤيته للعالم
وللحضارة البشرية بتناغم مع تفتح شخصيته بكل مكوناتها، وبترسيخ هويته كمواطن
مغربي وكإنسان منسجم مع ذاته ومع بيئته ومع العالم؛
- شقهـا الموسوعي المرتبط
بالمعرفة بصفة عامة.
واعتبارا لكون التكنولوجيا قد أصبحت في ملتقى طرق كل
التخصصات، ونظرا لكونها تشكل حقلا خصبا بفضل تنوع وتداخل
التقنيات والتطبيقات العلمية المختلفة التي تهدف إلى تحقيق الخير العام والتنمية
الاقتصادية المستديمة وجودة الحياة، فإن تنمية الكفايات التكنولوجية
تعتمد أساسا على :
- القدرة على تصور
ورسم وإبداع وإنتاج المنتجات التقنية؛
- التمكن من تقنيات
التحليل والتقدير والمعايرة والقياس، وتقنيات ومعايير مراقبة الجودة، والتقنيات
المرتبطة بالتوقعات والاستشراف؛
- التمكن من وسائل
العمل اللازمة لتطوير تلك المنتجات وتكييفها مع الحاجيات الجديدة والمتطلبات
المتجددة؛
- استدماج أخلاقيات
المهن والحرف والأخلاقيات المرتبطة بالتطور العلمي والتكنولوجي بارتباط مع
منظومة قيم العقيدة الإسلامية السمحة والقيم الحضارية وقيم المواطنة وقيم حقوق الإنسان
ومبادئها الكونية.
|
اختيارات وتوجهات في مجال المضـاميـن
ليتمكن نظام التربية
والتكوين من القيام بوظائفه على الوجه الأكمل، تقتضي الضرورة اعتماد مضامين معينة
وفق اختيارات وتوجهات محددة، وتنظيمها داخل كل سلك ومن سلك لآخر بما يخدم
المواصفات المحددة للمتعلم في نهاية كل سلك. وتتمثل هذه الاختيارات والتوجهات فيما يلي:
§
§ الانطلاق من اعتبار
المعرفة إنتاجا وموروثا بشريا مشتركـا؛
§
§ اعتبار المعرفة
الخصوصية جزءا لا يتجزأ من المعرفة الكونية؛
§ § اعتماد مقاربة شمولية
عند تناول الانتاجات المعرفية الوطنية، في علاقتها بالانتاجات الكونية مع الحفاظ على ثوابتنا الأساسية؛
§
§ اعتبار غنى وتنوع
الثقافة الوطنية والثقافات المحلية والشعبية كروافد للمعرفة؛
§
§ الاهتمام بالبعد
المحلي والبعد الوطني للمضامين
وبمختلف التعابير الفنية والثقافية؛
§
§ اعتماد مبدأ التكامل
والتنسيق بين مختلف أنواع المعارف وأشكال التعبير؛
§
§ اعتماد مبدأ
الاستمرارية والتدرج في عرض المعارف الأساسية عبر الأسلاك التعليمية؛
§
§ تجاوز التراكم الكمي
للمضامين المعرفية المختلفة عبر المواد التعليمية؛
§
§ استحضار البعد المنهجي
والروح النقدية في تقديم محتويات المواد؛
§
§ العمل علىاستثمار عطاء الفكر الإنساني عامة لخدمة التكامل بين المجالات المعرفية؛
§ § الحرص على توفير حد
أدنى من المضامين الأساسية المشتركة لجميع المتعلمين في مختلف الأسلاك والشعب؛
§
§ الاهتمام بالمضامين
الفنية؛
§
§ تنويع المقاربات وطرق
تناول المعارف؛
§
§ إحداث التوازن بين
المعرفة في حد ذاتها والمعرفة الوظيفية.
اختيارات
وتوجهات في مجال تنظيم الدراسة
للارتقاء بجودة الفعل البيداغوجي في مختلف الأسلاك
التعليمية ، من خلال الرفع من
فعالية التدريس ومن جدوى التعلم ومواءمة الفضاءات التربوية لهما، ينبغي اعتماد مبدأ التدرج في تنظيم الدراسة من سلك إلى آخر بما
يضمن:
- في
التعليم الابتدائي، المرونة في تنظيم الحصص الدراسية وتكييف مضامينها
مع حاجات المتعلمين بالأساس ومع متطلبات البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية
المباشرة؛
- في التعليم الثانوي، الانتقال من التنظيم الحالي المتمثل في سنوات
دراسية إلى تنظيم يقوم على دورات دراسية نصف سنوية من جهة، والانتقال من برامج
مبنية على مواد دراسية كلها إجبارية في السلك الإعدادي إلى برامج مبنية على
مجزوءات معظمها إجباري وبعضها اختياري من جهة أخرى.
ويستوجب تنظيم الدراسة في مختلف الأسلاك، وفق ما يتطلبه إصلاح نظام التربية والتكوين، ما
يلي:
-
- تنظيم كل سنة دراسية
في دورتين من سبعة عشر أسبوعا على الأقل، أي ما مجموعه اثني عشرة دورة في التعليم
الابتدائي، وست دورات في السلك
الإعدادي، وست دورات في السلك
التأهيلي بما فيها الدورة المخصصة للجذع المشترك؛
-
- اعتماد حلول تربوية
تسمح بالعمل بإيقاعات متفاوتة تناسب مستوى المتعلمين ووتيرة التعلم لديهم، بما يفيد في الرفع من
المردود الداخلي للمؤسسة، وفي ترشيد استعمال
البنيات التحتية والتجهيزات التعليمية والمعينات
الديداكتيكية؛
-
- إدراج الغلاف الزمني
الخاص بالتقييم التكويني الملازم للتعلم والمرتبط عضويا بالاستدراك في إطار
بيداغوجية التمكن ضمن الغلاف الزمني المخصص لكل مادة في
التعليم الابتدائي وفي السلك الإعدادي، ولكل مجزوءة في السلك
التأهيلي؛
- -
تخصيص مجالات زمنية
للأنشطة الثقافية والفنية ضمن الحصة الأسبوعية.
على مستوى التعليم
الابتدائي، يتعين أن يراعى في تنظيم الدراسة ما يلي:
-
-
الملاءمة مع الخصوصيات المحلية والجهوية للمحيط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي؛
- -
المرونة في تنظيم
الحصص الدراسية والعطل؛
-
-
تخصيص حصص للتفتح بخلق فرص التعرف الميداني على المحيط الطبيعي والاجتماعي
والاقتصادي؛
-
-
العمل بالدعم
البيداغوجي المنتظم الكفيل بترسيخ المكتسبات، والضامن للرفع من نسبة التدفق؛
-
-
الاستجابة لمتطلبات تعلم الأطفال ذوي الحاجات الخاصة.
على مستوى التعليم الثانوي، ينبغي أن يراعى في تنظيم
الدراسة كون السلك الإعدادي يتبنى مقاربة المنهاج المندمج مثل التعليم الابتدائي،
وكون السلك التأهيلي، الذي يأتي مباشرة قبل التعليم العالي ويهيئ له، يعتمد أساسا
مثل هذا الأخير على مقاربة المنهاج المبني على المضامين والتخصصات.
واعتبارا لسن تلاميذ السلك التأهيلي، وتوخيا للاستجابة
لميولاتهم واتجاهاتهم من خلال تربيتهم على الاختيار، تنظم الدراسة، بعد الجذع
المشترك، في الأقطـاب الدراسية التالية:
§
§
قطـب التعليم الأصيـل؛
§
§
قطـب الآداب والانسانيات؛
§
§
قطـب الفنــون؛
§
§
قطـب العلــوم؛
§
§
قطـب التكنولوجيـات.
وينظم كل قطب من هذه الأقطاب في مكونين اثنين، ينبغي أن
يراعى في تحديد موادهما ومجزوءاتهما تربية المتعلمين على الاختيار وعلى اتخاذ
القرار في التوجيه وفي استعمال الجسور بين الشعب :
- مكون إجباري تندرج فيه المجزوءات ذات الارتباط العضوي بطبيعة
القطب، والمجزوءات المكملة لها؛
- مكون اختياري تندرج فيه المجزوءات ذات الارتباط بمجزوءات
المكون الإجباري، أو التي تساعد المتعلم على الاستدراك أو على تيسير المرور من
قطب إلى آخر عبر الجسـور،
أو على تهييئ ولوج مؤسسات التعليم العالي.
وينبغي إعطاء نفس الأهمية
ونفس الغلاف الزمني لكل المجزوءات كيفما كانت المادة الدراسية التي تنتمي إليها،
بما يسمح بإمكانية معادلة مجزوءات المواد المتآخية أثناء الانتقال من قطب إلى آخر وباعتماد
المجزوءات التي كانت موضوع تعلم ذاتي في إطار مشاريع مؤطرة من طرف الأساتذة.
اختيارات
وتوجهات خاصة بتحديد مواصفات المتعلمين
وحتى يتمكن النظام التربوي المغربي من تزويد
المجتمع بمواطنين مؤهلين للبناء المتواصل للوطن على جميع
المستويات، تقتضي الضرورة إكساب المتعلمين الكفايات الملائمة وإتاحة الفرص وبنفس
الحظوظ، لجميع بنات وأبناء المغرب، وتشجيع المتفوقين منهم دون تمييز. لذا ينبغي أن
تصاغ مناهج التربية والتكوين بشكل يجعلهـا:
-
-
تشتمل مختلف أنواع الكفايات والمجالات
الوجدانية والاجتماعية والحسية الحركية والمعرفية
لشخصية المتعلم في مختلف الأسلاك التعليمية؛
-
-
تنفذ في فضاءات تربوية متنوعة داخل القسم
والمؤسسة التعليمية وخارجها، بواسطة وضعيات ديداكتيكية مناسبة لكل فضاء.
كما ينبغي وضع نظام ملائم للاستشارة والتوجيه
يعتمد على المؤهلات والميول الحقيقية والموضوعية للمتعلم، وعلى حاجات مختلف قطاعات الشغل ومواصفات ولوج
المسالك المختلفة للتعليم العالي.
ففيما يتعلق بالتعليم العالي، يقتضي إعداد
المتعلمين أخذ مواصفات ولوج مؤسساته بعين الاعتبار، ومعرفة برامجه والآفاق التي
تفتحها ارتباطا بتكوين الأطر المتوسطة والعليا للبلاد في مختلف المجالات الاجتماعية
والاقتصادية والثقافية والفنية،
وبتطور البحث العلمي في حقوله المتنوعة.
أما فيما يتعلق بولوج مؤسسات التكوين المهني
وسوق الشغل، فيجب أثناء صياغة مناهج التربية والتكوين في الإعدادي والتأهيلي،
مراعاة المواصفات المطلوبة للالتحاق بتلك المؤسسات، وملبية لحاجات ومتطلبات
التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ويجب أن تغطي هذه المواصفات كل
المجالات المذكورة، وتوفر الحد الأدنى من الكفايات الضرورية لولوج المهن التقنية
المتوسطة والعليا في مختلف القطاعات الصناعية والفلاحية والتجارية والخدماتية.
إن ضرورة التكوين ونوعية مساره تفرضان تحديد الأولويات
بالنسبة للكفايات في كل مستوى من المستويات التعليمية.
ففي التعليم الابتدائي يتم التركيز، وبالترتيب، على الكفايات التواصلية (بما فيها المعلوماتية)،
والكفايات الاستراتيجية والكفايات
المنهجية، والكفايات الثقافية، والكفايات
التكنولوجية، وذلك حتى يتسنى بلوغ مستوى التمكن من المكون اللغوي التواصلي في
الكفايات التواصلية، ومستوى التمكن من القدرات الأساسية المكونة للكفايات المنهجية والاستراتيجية، والتمكن
على مستوى الكفايات الثقافية من رصيد معرفي وثقافي يمكن المتعلم من الاندماج في
بيئته. ويدخل ذلك كله في إطار الحفاظ على مكتسبات المتعلم في التعليم الابتدائي
وتحصينها، خاصة بالنسبة لمن بلغوا سن نهاية التعليم الإجباري.
وفي التعليم الإعدادي، يستمر التركيز على
الكفايات التواصلية في مستوى متقدم من التمكن، وعلى الكفايات المنهجية والاستراتيجية
والكفايات الثقافية. وتعطى الكفايات التكنولوجية أهمية أكثر من ذي قبل للإعداد
للتعليم التأهيلي، أو لمؤسسات
التكوين المهني، أو لولوج الحياة العامة لمن سينقطعون عن الدراسة من المتعلمين في نهاية
التعليم الإعدادي.
أما في التعليم التأهيلي، فيخصص الجذع المشترك
لاستكمال مكونات الكفايات التواصلية والمنهجية والثقافية، وتعطى بعد ذلك الأولوية للكفايات الاستراتيجية والكفايات
التكنولوجية، مع الاستمرار في تنمية وتطوير الكفايات المنهجية والثقافية والتواصلية
بما يفيد في تحقيق مواصفات التخرج من مختلف الأقطاب الدراسية.
وبناء عليه، تتحدد مواصفات المتعلمين في نهاية كل سلك من
الأسلاك التعليمية انطلاقا من:
- ترتيـب
الكفايات حسب الأولويـات مع اعتبار المرونة والتفاعل بين هذه الكفايات؛
- درجات
التوفيق والتكامل والتركيب بين عمليات النقل والتفاعل والتحول في مجال القيم
الإسلامية والحضارية وقيم المواطنة وحقوق الإنسان؛
- المستوى
المناسب لنمو شخصية المتعلم بكل مكوناتها.
وبالنسبة للتعليم الأولي والابتدائي والتعليم الإعدادي،
يعتمـد في تحديد مواصفات المتعلمين عند نهاية هذه الأسلاك، بالإضافة إلى ما سبق،
على الأهداف التي خص بها الميثاق الوطني للتربية والتكوين هذه الأسلاك.
أما بالنسبة للتعليم التأهيلي، فإن تحديد مواصفات
المتخرج حسب كل قطب من الأقطاب المذكورة سابقا، يتم بالاعتماد أساسا على:
-
-
ترتيب الكفايات حسب
الأولوية الخاصة بالسلك والمعتمدة في تحديد المجزوءات الإجبارية بصنفيها المذكورين أعلاه؛
-
-
تحقيق مستوى التحول الفعلي المنتظر لدى المتعلم في
مجال استدماج القيـم، وفي اكتساب مختلف الكفايات؛
-
-
مدى قدرة المتعلم على
إعداد مشروعه الشخصي لولج التعليم العالي، وللاندماج في المجتمـع.
اختيارات
وتوجهات خاصة بتكوين الأطر التربوية
اعتبارا للاختيارات والتوجهات
المحددة لمراجعة المناهج التربوية، تتحدد الهيئات المتدخلة بكيفية مباشرة في تدبير
هذه المناهج والمتمثلة في هيئات التدريس،
وهيئات الإشراف البيداغوجي والاستشارة والتوجيه التربوي، والهيئات التقنية المشرفة
على المختبرات ومراكز التوثيق والإعلام والمكتبات وقاعات الإعلاميات المتعددة
الاستعمالات، والهيئات الإدارية الممثلة في مجالس تدبير المؤسسات التعليمية. لذا،
تستوجب مراجعة المناهج التربوية، إعادة النظر في المواصفات المهنية لأطر هذه
الهيئات من خلال:
-
- تحديد المستوى الأكاديمي الأدنى اللازم لولوج كل وظيفة من الوظائف المذكورة سلفا؛
-
- مراجعة برامج التكوين الأساسي المعمول بها حاليا في مؤسسات تكوين الأطر، ووضع برنامج
لاستكمال تكوين أطر الهيئات التربوية بكل تخصصاتها أثناء الخدمـة لضمان الفعالية
التي تستوجبها المناهج التربوية الجديدة؛
-
- إعداد برامج للتكوين الأساسي لفائدة الهيئات التي تزاول حاليا دون أن تكون قد تلقت
تكوينا مهنيا أساسيا.
ونظرا
لما سيعرفه نظام التربية والتكوين من تأرجح
بالنسبة لمختلف الهيئات المتدخلة في تنفيذ مناهج التربية والتكوين خلال
العشرية الأولى للقرن الجديد، واحتسابا للأهمية القصوى التي يوليها الإصلاح
لإجبارية التعليم والتأثير المباشر لها على الحاجات المحتملة لأطر التدريس، فإن التوظيف الأمثل لهذه الأطر
يقتضي أن تكون المواصفات المهنية للمدرسين في مختلف الأسلاك متساوية من حيث الحد
الأدنى الأكاديمي، ومتقاربة من حيث التكوين البيداغوجي.
وحتى
يستجيب تكوين أطر التدريس لما تم تحديده من اختيارات وتوجهات لمراجعة
المناهج التربوية، أصبح من الضروري الأخذ في تكوينها الأساسي بما يلي:
-
-
مبدأ تعدد التخصص في المجالات المتقاربة؛
-
-
مبدأ التكوين بالتناوب حسب خصوصيات الجهات؛
-
-
مبدأ التكوين الذاتي المستمر؛
-
-
تعزيز التكوين الأساسي لكل الأطر التربوية في
التخصصات المتقاربة بالتكوين في مجالات التواصل والتكنولوجيات الجديدة والتنشيط
والإنتاج الثقافيين.
خاتمــة:
تظل المناهج
التربوية مفتوحة وقابلة للمراجعة المستمرة حتى تستوعب كل ما يستجد على صعيد
المعرفة، تستجيب لمتطلبات الواقع بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية والثقافية،
وتساهم في تطويره.
ولكي يتحقق التكامل بين مختلف أسلاك التعليم من الابتدائي إلى التعليم
العالي، ضمانا لتكوين منسجم ومتجانس، يتعين الحرص على تنسيق دقيق ومستمر على مستوى
العلاقة بين المناهج التربوية وبرامج مختلف مسالك التعليم العالي وتكوين الأطر
والبحث العلمي، وذلك بأن يجد كل مسلك من
مسالك التعليم الثانوي امتدادا واحدا على الأقل في التعليم العالي، وبأن يجد كل
مسلك من مسالك التعليم العالي دعامة له في التعليم الثانوي. ومن شأن هذا التنسيق
أن يضمن لتلميذ التعليم الثانوي إعدادا جيدا ييسر له متابعة دراساته العليا و
يهيئه للانخراط الإيجابي في الحياة.
ولتحقيق هذا التكامل بين مختلف الأسلاك
التعليمية ومسالكها، لا بد من إرساء آلية للتنسيق تعمل في اتجاه تحقيق التكامل في
مجال المناهج التربوية وبرامج الدراسات الجامعية وتكوين الأطر، انسجاما مع مقتضيات
إصلاح نظام التربية والتعليم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق